السبت، 10 نوفمبر 2012
في غرفته ....
كانت تلك هى الطريقة الفضلى للتخلص من أوهامي
.. بحثت عن مفتاح الغرفة المغلقة منذ سنوات ..لم تكن لديّ الجرأة لذلك الفعل ، لكنّى مضطرة
إلى خوض تلك التجربة .. ربما تمنحني شئ من الراحة ، حلمت بما يدور داخلها الآن و
إحتمالات الأسوأ كانت تلاحقني .أذكرها حين كان يجلس فيها معتزا بأفكاره
المرتبه ، سمح لى فقط بدخولها أثناء تواجده ، وما كان يحتمل فكرة أن أكون بها دونه
.. لم أعرف يوما أسباب ذلك ، كنت أضع فى مخيلتي أشياء عن رغبته العارمة على عدم
رؤيتي إياها فى غيابه ، إنتابتني لحظات من الغيره و أخرى كان الخوف سيدها ، سألته
مرارا عن سر حبه لهذا المكان دون غيره ، و لكنّه كان ينظر فى عيناي مؤكدا أنني
يوما سأعرف ، و أخبرني دوماً .. أن تلك اللحظة ستأتي دون رغبة مني فيها .تميزت هذه الغرفة فى الماضي فقط به ..
جدرانها قاتمة لا تساعد على الحياة إطلاقا ، لم تحمل أية من الصور أو اللوحات
الفنية التى كان يعشقها ، أو ساعة حائط مثلا ..كان يفضل أن تبقى كما هي بلا تفاصيل
إضافية .الباب لم يكن يفتح إلا مكانا ضيقا فقط لدخوله
، لأن وراءه يقبع ذلك الصندوق الكارتوني الكبير الملئ باللوحات العالمية ، كتبه فى
كل مكان لكل ما خطته يوما يد الفلاسفة و المؤرخين .. لم يحب قراءة الأدب ، أخبرني
كثيرا أنهم يكتبون الروايات من أجل متعتهم الشخصية ، أما الفلسفة و التاريخ فلهما
مذاق آخر لا يعرفه سوى القليلون .أعطاني فى عيد مولدي العشرون كتابا عن فلسفة
الجمال – لم أقرأه – فقط سألته عن الجدوى منه إذا كنت لن أستفيد ، فهو حدثني كثيرا
عن الجمال و فلسفته ولم أعد أرغب فى قراءته ، حينها أخبرني أنها تلك اللحظة التي
سأتحول فيها من مستمعة لما يقول إلى شخص ناضج يقرر ما يحب ويريد - لم أفهمه –حين رحل عني لم أدرك وقتها أن أنفاسه لن
تفارقني ، و أن غرفته الخاصة ستعطيني ذات يوم سببا آخر للحياة ، رحل ذلك اليوم
الذى أعده خصيصا لكلينا ، أخبرني صباحا ألا أتأخر ليلا لأنه سيمنحني بعض من أشياءه
التى لم أعرف ماهيتها حتى اليوم .لم أستطع الانتظار حتى المساء ، أنهيت عملي
مبكرا – أو تظاهرت بذلك – وأسرعت إليه لأرى ما ينتظرني به ، طرقت الباب مرارا فلم
يفتح .. تخيلت أنه يقرأ كتابا مهما ، أعددت طبقنا المفضل لنأكل سويا بعد مدة
إبتعدنا فيها عن عاداتنا المشتركه ، طرقت مرة أخرى وحين لم يجب ، إستجمعت أنفاسي
وفتحت غرفته مغمضة العينين منتظرة صوته يؤنبني بكل عمق على فعلتي التي لن ينساها .فتحت عيناي حين لم أسمع توبيخه .. وجدته
جالسا على مكتبه المعتق برائحة أوراقه و أقلامه الخاصة ، بعض من القصاصات على
جانبي المكتب خط عليها أفكارا كثرة و مواعيد و جداول زمنية لأشياء لا أعرفها ،
علبة سجائره و تلك الولاعة التى أهديتها له منذ سنوات ، منفضة السجائر ممتلئة
ويفيض منها رماد منتشر فى كل مكان ، يجلس بينهم كما إعتاد لكنه اليوم لا ينظر فيهم
بل إلى لا شئ كأنه يبحث عن الفراغ ، ظننته يفكر فى شئ ما ، ناديته لكنه لا يجيب
... إقتربت منه ، مدندنة لحنا حفظته من تكرار سماعه فى تلك الغرفة .. ولم ينظر
إليّرحل فى غرفته الخاصة ، ثلاث سنوات ولم أدخلها
، تركتها ليعود إليها حين يشاء ، وضعت مفتاحها بين أشياء كثيرة مبعثرة لا أذكر
مكانها ، اليوم بعد مرور ذكراه الثالثة لم أعد أحتمل عدم رؤياه و أقنعت نفسي أنني
ربما لو وجدت مفتاح الغرفة سأجده مازال ينتظرني ليعطيني الاشياء التى وعدني بها ..
مضى يومين من البحث دون جدوى ، أعرف مكان المفتاح لكنّى أعرف أيضا أن يداي تخشى
إيجاده ، لذا قررت خوض التجربة .الباب مغلق بإحكام ، ومفتاحه يرفض ان يدور
داخله ، تحملّت مشقة فتح الباب الخشبي ذا اللون البني ، و لأول مرة أدخل غرفته
بمفردي .. أدركت أنها تلك اللحظة التي حدثني عنها مرارا و التي سأعرف فيها سر هذا
المكان ، لكنني إستدرت عائدة و أغلقت الباب خلفي لأننى تأكدت أنه على حق حين قال
.. أن تلك اللحظة لن أريدها فأرجأتها ..
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
قصة جميلة وصعبة ،طريقة سردك جميلة ،وخلتني اخلط في البداية ما بين الحبيب والاب ..
ردحذف