الجمعة، 10 سبتمبر 2010

حوائط








نظرت بشئ من الحسرة لتلك الغرفة التى طالما حلمت بتغييرها ، و تمنت لو تستطيع التخلى عن ديكورها العتيق و إستبداله بأثاث جديد تماما يحمل ذوقها الخاص حتى لو لم تصبح الغرفة ذات شكلا يبهر كل من يراها كما كانت تردد أمها على طراز البيت بأكمله ، كم تمنت أن تجعل حوائط غرفتها الأربعه تدب بالحياة فحلمت أن تخصص الحائط المجاور الذى يحمل بين ضلعيه باب الغرفة ، ليكون حوضا للسمك بطول الحائط ملئ بكافة أنواع أسماك الزينة من كافة الأحجام ،و أن تقوم يوميا بالإعتناء بأسماكها الثمينة ، و تطلق على كل منها إسما مختلفا يعبر عن روح السمكه او ما تراه هي فيها ، كم تمنت أن تكون تلك الأسماك بمثابة العائلة التى تلجأ إليها ، فلقد كان هاجسها منذ الطفولة أنها يوما لن تجد غير تلك الغرفة لتحتمى بها من العالم الخارجى ، لذا فكانت تريدها عائلة بديلة إذا ما إضطرت لمواجهة العالم وحدها .

أما عن حائط الباب فكان مختلفا لأنه يحمل بابا لا يتوانى عن الذهاب و الإياب كل دقيقه ، فقررت أن تخصص ذلك الحائط ليحمل صورا فوتوغرافيه لها و لعائلتها و كل أصدقائها حتى تتذكر دائما أنهم جميعا يجيئون و يذهبون و لن يستمر أحدهم بحياتها ، و عندما فكرت فى الحائطين المتبقيين فلم يطل تفكريها لأنها لن تجد أفضل من بناء أرفف خشبية سميكة لتحتمل خبرات و تجارب و حيوات و عوالم أدباء من كل العصور و الأزمنة ، و قد أخذت عهدا على نفسها أنها أبدا لن تضع فوق تلك الأرفف الخشبية سوى الكتب التى تؤثر فيها بصورة أو بأخرى حتى تكتسب تلك الأرفف حبا خاصا لديها و تكون مهربا لها من واقع - قد يكون مريرا فى معظمه - و لكنه واقع ولن تتخلص منه إلا سويعات هى تلك التى تقضيها بصحبة أهل تلك الأرفف .

إلا أن تلك الاحلام جميعها لم تتحقق لرفض أمها فكرة تغيير ديكورات صممتها بنفسها و دفعت ثمنها غالى جدا ، و كانت تدب بينهما مشكلات و خلافات و نقاشات و حوارات ودية كثيرة بسبب تلك الحوائط الأربعة ، و لكنها يوما لم تستطع إقناع أمها بالفكرة ، و ظلت لأيام و ليالى تحلم بتلك اللحظة التى تتمكن فيها من إمتلاك زمامها بنفسها و التخلص نهائيا من سطوة تلك الأم التى لا ترى فى حياتها غير آرائها الفردية فقط ، بل و حلمت أيضا بذلك اليوم الذى تخرج فيه من بيتا لا يحتمل أكثر من قبطانا واحدا متعسفا فى رأيه .

و فى غمرة تلك الأحلام لم تكن تتخيل قسوة تحقيقها و لم تعرف أنها قد تنقلب عليها أو فقط تفقد ذلك البريق المرتبط بالحلم و التمنى ، لم تعرف أنها قد تستيقظ يوما لتجد نفسها فقدت قبطان تلك السفينة و أصبحت بلا عائلة فلم يعد لديها فى الحياه بعد تلك الأم غير حوائط كثيرة و أبواب و نوافذ – أصبحت تملكها كلها - لكنها لن تستطيع تغيير شيئا واحدا فيهم لأنهم يحملون الذكرى الوحيده التى عرفتها يوما ، عائلتها لم تكن تحمل غيرها و أمها و بعض الأقارب الذين إنقطعت زياراتهم شيئا فشيئا حتى لم يعد لملامحهم معنى فى القلوب ، حتى والدها لم تعرف عنه غير ذلك الإسم الملتصق بها منذ الطفولة فقد تخلى عنها طفلة فى الخامسة من أجل أطفال آخرين لم تعرفهم أيضا .

لم تكن تعرف أبدا أنها حين تمتلك زمامها لن تقوم بتلك التغييرات فلن يكون هناك حائط للصور الفوتوغرافية و لن تحتمل وجود اسماك على حائط طلته أمها خصيصا لها ، و لن تجد أرففا خشبية تحمل إرثا ليس لها .





هناك تعليق واحد:

  1. اقتراح: من الممكن أن تستثمر مشاعر الغضب الناتجة عن تعسف أمها وانفرادها بالرأي؛ لتغيير كل حوائط المنزل، ثم تستثمر مشاعر الإحساس بالذنب الناتجة عن تغيير الحوائط التي طالما حافظت عليها أمها؛ للحفاظ على ذكرى أمها في قلبها إلى الأبد.....

    ردحذف